سورة الرحمن - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}، وهو سواد الوجوه وزرقة العيون، كما قال جل ذكره: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران- 106] {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ}، تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي من خلف ويلقون في النار، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
ثم يقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} المشركون {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} قد انتهى حره. قال الزجَّاج: أَنَى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج، والمعنى: أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حر النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل، وهو قوله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} [الكهف- 29] وقال كعب الأحبار: {آن} واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقًا جديدًا فيلقون في النار وذلك قوله: {يطوفون بينها وبين حميم آن}.
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وكل ما ذكر الله تعالى من قوله: {كل من عليها فان} إلى ههنا مواعظ وزواجر وتخويف. وكل ذلك نعمة من الله تعالى، لأنها تزجر عن المعاصي ولذلك ختم كل آية بقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.


ثم ذكر ما أعده لمن اتقاه وخافه فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي: مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية والشهوة. وقيل: قيام ربه عليه، بيانه قوله: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} [الرعد- 33]، وقال إبراهيم ومجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله فيدعها من مخافة الله. {جَنَّتَانِ}، قال مقاتل: جنة عدن وجنة نعيم. قال محمد بن علي الترمذي: جنة لخوفه ربه وجنة لتركه شهوته.
قال الضحاك: هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعلمه ما عرض له من محرم تركه من خشية الله وما عمل من خير أفضى به إلى الله، لا يحب أن يطلع عليه أحد.
وقال قتادة: إن المؤمنين خافوا ذلك المقام فعملوا لله ودأبوا بالليل والنهار.
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي، أخبرنا أبو مسلم غالب بن علي الرازي، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن يونس، أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني، وأخبرنا محمد بن عبيد الهمداني، أخبرنا هاشم بن القاسم عن أبي عقيل هو الثقفي عن يزيد بن سنان سمعت بكير بن فيروز قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة».
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشمهيني، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزي عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}. فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء».


{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ثم وصف الجنتين فقال: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}، أغصان، واحدها فنن، وهو الغصن المستقيم طولا. وهذا قول مجاهد وعكرمة والكلبي. وقال عكرمة: ظل الأغصان على الحيطان. قال الحسن: ذواتا ظلال. قال ابن عباس: ألوان. قال سعيد بن جبير والضحاك: ألوان الفاكهة، واحدها فَن من قولهم أفنن فلان في حديثه إذا أخذ في فنون منه وضروب. وجمع عطاء بين القولين فقال: في كل غصن فنون من الفاكهة. وقال قتادة: ذواتا فضل وسعة على ما سواهما {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}، قال ابن عباس: بالكرامة والزيادة على أهل الجنة. قال الحسن: تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم والأخرى السلسبيل. وقال عطية: إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر لذة للشاربين {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
{فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} صنفان ونوعان قيل: معناه: إن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطبًا ويابسًا. قال ابن عباس: ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6